الرابعة صباحًا
١٠١٤ كلمة
٠ تعليق

هل يمكن اعتبار النظرية النسبية لآينشتاين علما مزيفًا، أم لا يجب اعتبارها كذلك على الإطلاق!!

(1)

في عام 2017 منحت نوبل في الفيزياء لثلاثة علماء هم باري باريش وكيب ثورن وراينر فايس تكريما «لمساهماتهم الحاسمة في مرصد ليجو ورصد موجات الجاذبية» في تثبيت عملي للتنبؤات النظرية لأينشتاين قبل مئة عام، وهو اكتشاف “غيّر العالم” بحسب الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة.

لقد أحرزت النسبية هدفًا حلوًا جديدًا، صدقت إحدى نبوءات آينشتاين في تصوره عن الأحداث الكبرى التي تحدث في الفضاء ويمكن تتبعها عبر ميراث آينشتاين الخالد – ولازال – عن الزمكان..

تتصادم الأجرام السماوية الضخمة، ثم عبر هندسة متقدمة، تمكن الثلاثة سالفي الذكر وفريق عمل ضخم بدأ العمل منذ العام 1976 في رصد واحد من هذه الأحداث الكونية الكبرى عام 2015، عن طريق رصد موجات الجاذبية في عام 2015، لقد تمكن مرصد ليجو من رصد اصطدامًا بين ثقبين أسودين نتج عنه ثقبًا جديدًا تعادل كتلته 62 مثل كتلة الشمس..

(2)

في عام 2022، أثار إعلان اللجنة المانحة لجائزة نوبل في الفيزياء الكثير من الجدل العلمي وحتى خارج إطار النقاشات العلمية بالنسبة للمهتمين بالفيزياء..

منحت جائزة نوبل في الفيزياء للثلاثي إلى الفرنسي آلان أسبكت والأمريكي جون كلاوسر والنمساوي أنتون تسايلينجر لأبحاثهم في مجال الفيزياء الكمومية؛ قالت لجنة نوبل إن الباحثين الثلاثة كوفئوا من أجل أعمالهم الرائدة على صعيد «التشابك الكمومي»، وهي آلية يكون فيها جزيئان كميان مترابطين بصورة كاملة، أياً كانت المسافة الفاصلة بينهما.

هنا تصاعدت الكثير من الشكوك حول ألبرت آينشتاين، الرجل الذي كان لديه الكثير من الشكوك حول الطريقة التي نفهم بها الفيزياء الكمومية؛ لقد كافح كفاحًا مريرًا للدفاع عن وجهة نظره في رفضه للواقع الكمومي..

إن خلافه مع العالم الجليل ((نيلز بور)) ليس خافيًا لعى كل المشتغلين بتاريخ العلوم..

كان رفض آينشتاين المباشر والواضح للطبيعة الإحصائية للفيزياء الكمومية، رفض أن تستبدل الصدفة المبدأ الراسخ الذي قامت عليه الفيزياء (السببية الحتمية)..

(3)

كتوضيح واجب للقارئ الكريم، لا يمكن اعتبار أن ظاهرة التشابك الكمومي تعارض أو تنتهك فكرة النسبية، وهذا يخالف الترويج الشائع الذي يلوح به الكثير من غير المتخصصين..

من المفاهيم الخاطئة الشائعة حول التشابك هو أن الجسيمات تتواصل مع بعضها البعض بسرعة أكبر من سرعة الضوء، وهو ما يتعارض مع النظرية النسبية الخاصة لأينشتاين؛ لقد أظهرت التجارب أن هذا غير صحيح..

إذ أنه وإلى الآن لا يمكن استخدام الفيزياء الكمومية في أي اتصالات أسرع من الضوء.

ولمزيد من التوضيح، يمكن اعتبار أن ما يحدث في التشابك الكمومي أن هناك ارتباط دون اتصال، ويمكن اعتبار الجسيمات المتشابكة «ككائن واحد». لذا فلا «اتصال شبحي -أو مخيف- عن بعد» كما وصفه آينشتاين.

(4)

يعيدنا كل أولئك إلى اللحظة التي انطلقت فيها شرارة النسبية كالكأس المقدسة لكل ما نعرفه الآن باسم الفيزياء الحديثة..

في الواقع تطير الفيزياء الحديثة التي نعرفها الآن بجناحين، هما النسبية والميكانيكا الكمومية..

(5)

في أواخر يونيو عام 1905، كتب أينشتاين مقالًا علميًا يصف فيه أفكاره وعواقبها، وأرسلها بالبريد إلى حولية الفيزياء. حملت مقالته عنوانًا عاديًا إلى حد ما «عن الديناميكا الكهربائية للأجسام المتحركة». لكنها كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون عادية. أظهرت دراسة سريعة أن أينشتاين، «الخبير الفني من الدرجة الثالثة» في مكتب براءات الاختراع السويسري، يقترح أساسًا جديدًا تمامًا للفيزياء، ويقترح مبدأً فوقيًا يجب أن تلتزم به جميع القوانين الفيزيائية المستقبلية، ويراجع بشكل جذري مفاهيمنا عن المكان والزمن، ويستنتج نتائج مذهلة. إن أساس أينشتاين الجديد وعواقبه سيُعرف قريبًا باسم النسبية الخاصة (((خاصة)) لأنها تصف الكون بشكل صحيح فقط في تلك المواقف الخاصة حينما تكون الجاذبية غير مهمة).

(6)

قبل ذلك التاريخ وخاصة في مايو 1905، عندما كسرت مناقشاته مع صديقه ميكيلانجيلو بيسو انغلاقه العقلي ومكنته من التخلي عن الزمن والمكان المطلقين، لم يحتج أينشتاين سوى بضعة أسابيع من التفكير والحساب لصياغة أساسه الجديد للفيزياء، واستنتاج تبعاته على الفيزياء. طبيعة المكان والزمن والكهرومغناطيسية وسلوكيات الأجسام عالية السرعة. وكانت اثنتين من النتائج مذهلة: يمكن تحويل الكتلة إلى طاقة (والتي ستصبح أساس القنبلة الذرية)، ويجب أن يزداد القصور الذاتي لكل جسم بسرعة كبيرة، حين تقترب سرعته من سرعة الضوء، بحيث -بغض النظر عن مدى القوة التي يستخدمها الإنسان على الجسم- لا يمكن أبدًا جعله يصل إلى سرعة الضوء أو يتجاوزها «لا شيء يمكن أن يسير أسرع من الضوء».

(7)

لقد قدم آينشتاين عبر نسبيته الخاصة، وصفته الجديدة لحل مجموعة كبيرة من التناقضات والمفارقات التي حيرت علماء الفيزياء في عصره والتي كادت تؤدي بالكامل إلى فشل مجموعة كبيرة من الأفكار التي عاشت طويلًا بفضل الفيزياء نيوتن (الفيزياء التي بنيت على أكتاف قوانين نيوتن)، والتي أصبحت في موضع شك مع التطور الكبير الذي حدث في تقنيات التجريب، نذكر على رأسها تجربة مايكلسون ومورلي لإثبات وجود الأثير، أو الوسط الذي من خلالها تنتقل الموجات الضوئية بحسب الاعتقاد الذي ساد في ذلك العصر..

(8)

لم تستند النسبية في نتائجها إلى أي أساس تجريبي، لقد كان آينشتاين في غفلة عن كل النقاشات التي سادت المجتمع العلمي في ذلك العصر، لم يولها اهتمامًا كبيرًا، لكنه اعتمد في أفكاره على ما نعرفه باسم (التجارب الذهنية)..

(9)

لقد أثارت النسبية في زمنها الكثير من الجدل، البعض اعتبرها ترقى إلى كونها علمًا مزيفًا، احتج الكثيرون بكونها نظرية لم تقم على أساس تجريبي متين..

(10)

ما أثار حفيظة البعض من داخل المجتمع العلمي هي نظرة آينشتاين نفسه للنسبية باعتبارها مبدأً فوقيًا metaprinciple

(11)

الطريف في الأمر أن نظرة آينشتاين للنسبية باعتبارها مبدأً فوقيًا قد ضايقه ثم عطل مسعاه في دمج النسبية الخاصة بالجاذبية؛ لم تكن النسبية العامة تحفة رياضية عانى كثيرًا آينشتاين في صياغتها بل تعدى الأمر إلى نجاح تجريبي كبير..

(12)

تمكنت النسبية العامة من تفسير القياسات الرصدية لظاهرة تعرف باسم «انزياح الحضيض الشمسي لكوكب عطارد»، بل كانت الظاهرة نفسها سببًا في إلهام آينشتاين نسبيته العامة..

(13)

بعد ظهور النسبية العامة صدقت البيانات الرصدية لكسوف الشمس الكلي على نبوءة آينشتاين بانحراف الضوء بفعل جاذبية الشمس..

(14)

يتساءل البعض عن تطبيقات للنسبية بشقيها في حياتنا اليومية؛ إليك تطبيقًا يوميًا تستخدمه في حياتك اليومية (GPS)، تساهم النسبية الخاصة والعامة في ضبط الزمن اللازم لوصف حركة المرور على الأرض بفعل قوانين النسبية..

(15)

ختامًا.. يعلم المشتغلين بالفيزياء أن كل قانون فيزيائي مهما كانت براعته ونجاحه ستتجاوزه حركة العلم -في سياق ما، في زمن ما، في مكان ما، تحت مجموعة معينة من الظروف-، يحاول جيش من الباحثين على تجاوز النسبية أو حتى الميكانيكا الكمومية (التي تعد انجح قانون علمي عرفه البشر) عن طريق محاولات مستمرة لاكتشاف العيوب..

على النقيض تبدو النسبية صامدة -حتى الآن- إلا فيما يتجاوز أفق الحدث داخل الثقوب السوداء أو نعرفه باسم «المفردة».

شارك هذا الـمقال