بنسبة كبيرة، عزيزي القارئ، أنك مررت عدة مرات بوابل من النصائح التي تشيد بأهمية ضوء الشمس والإضاءة والتهوية الطبيعية، ومن المرجح مرورك على معلومات عن فوائد أشعة الشمس، التي هي خير ممول لجسدك بفيتامين (د)، والوحيد المتاح بدون مقابل، وهي خير من يمدك بالضوء والدفء المجاني، وهي خير من يبعدك أنت وأطفالك عن الأطباء. ضوء الشمس الأزرق يعمل في الصباح على تحفيز هرمونات الاستيقاظ مثل السيروتونين، بينما يعمل الضوء الخافت في فترة ما بعد الظهر والمساء على تحفيز هرمونات النوم مثل الميلاتونين. كما قال محمد بوبكري، أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة إلينوي في أوربانا شامبين، والذي يركز على كيفية تأثير المباني على صحة الإنسان:
“أظهرت دراساتي ودراسات أخرى كثيرة أننا قد نفقد ما بين 30 إلى 45 دقيقة من النوم كل ليلة بسبب عدم وجود ضوء طبيعي في أماكن عملنا أو في فصولنا الدراسية.” ويقول بوبكري إن 45 دقيقة لها آثار صحية كبيرة.
وقد تكون قرأت عن “الاضطراب الموسمي الفعّال“، وهو نوع من الاكتئاب يحدث خلال مواسم معينة، يكون أعلى في الأجزاء الشمالية من الأرض مع قلة ضوء الشمس في الشتاء. نحن نتكلم عن بلاد ومساحات شاسعة من الكرة الأرضية يعاني سكانها من الاكتئاب والاضطرابات النفسية لعدم تواجدهم في ضوء النهار بشكل كافٍ.
في مدينة ويلنغتون، عاصمة نيوزيلندا، تسببت التضاريس الجغرافية بسبب كثرة الوديان والتلال في تباين كبير في حصة المنازل من أشعة الشمس، وقد سبب هذا التباين ارتفاع أسعار المنزل الذي يتعرض لأشعة الشمس لمدة أطول بنسبة 2.6%، وقد يخسر المنزل نفس المقدار من القيمة في حالة بناء مبنى مجاور أو مقابل له يحجب بظلاله أشعة الشمس عن المنزل.
مصر تتمتع بموقع جغرافي ممتاز (تجنبت عزيزي القارئ استخدام مصطلح “حباها الله بموقع جغرافي متميز” حتى لا أثير استيائك)، ينعم بوجود الشمس تقريبًا طوال العام. لكن مؤخرًا، وبسبب التكدس السكاني والبناء العشوائي وسوء التخطيط، ظهرت العديد من المباني العملاقةالتي سلبت حق القاطنين خلفها أو في الأدوار السفلية في حق إنساني مشروع كرؤية الشمس والاستفادة من مميزاتها. وربما أكون جئت في الوقت المناسب قبل أن تتملك أو تستأجر مسكنًا، لأرشدك إلى بعض خفايا مهندسي المعمار لمعرفة التوجيه المناسب لمسكنك.
اختيار بيتك في التوجيه المناسب قد يضمن لك ليس فقط تمتعك بالإضاءة الطبيعية، بل أيضًا بتهوية طبيعية قادرة على خفض تكاليف الطاقة المستخدمة لخفض درجات الحرارة صيفًا ورفعها شتاءً. بالتأكيد تعلم أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب من الغرب. سأضيف لك معلومة: في مصر تمر من الجنوب، وذلك يعني أن الشمس معظم الوقت تكون موجهة جنوبًا، فـتجنّب الواجهات الجنوبية أو كما يُطلق عليها (القبلية) لأن الشمس تكون قوية وسترفع من حرارة بيتك. ستحتاج إلى الكثير من الطاقة لخفض درجة الحرارة. لا بأس بتواجد شباك بمساحة صغيرة، لكن اجتنب المساحات الزجاجية الواسعة في هذه الجهة. وإن وُجدت، قم بإضافة كاسرات شمس أو شباك شيش في هذه النافذة.
نصيحتي لك، عزيزي القارئ، أن تبحث عن المكان الموجّه ناحية الجنوب الشرقي، فستكون من الناعمين بالإضاءة الطبيعية معظم الوقت والرياح السائدة الجيدة. ومن الحكمة زيادة المساحات الزجاجية والنوافذ في هذه الجهة. أما لو كانت واجهتك شمالية، فسيصلك ضوء النهار لكن بدون أشعة شمس مباشرة، حيث يمكنك إضافة نوافذ كبيرة أو مساحات زجاجية.
ولو كنت بالفعل مستأجرًا أو مالكًا ولا تملك رفاهية الاختيار، فإليك بعض الحلول التي قد لا تمثل حلًّا جذريًا لكنها قادرة على التقليل من حدة الوضع:
-
أنصحك بتأني في اختيار لون دهان منزلك. حاول معرفة قيمة انعكاس الضوء على اللون الذي ستختاره (LRV) وهو يتراوح من 0 إلى 100، حيث الأسود قيمة انعكاسه 0، بينما الأبيض النقي 100. لذا نصيحتي لك أن تختار اللون الأبيض ثم درجاته لأنه أفضل الألوان العاكسة للضوء والقادرة على إعطاء إحساس بالإضاءة والاتساع. وتجنب الدهانات الملونة أو الغامقة.
-
حاول إبعاد الأثاث الحاجب لأشعة الشمس عن مسارات الأشعة. على سبيل المثال، في غرفة النوم إذا كانت النافذة ليست في المنتصف وتقع على أحد الطرفين، حاول إفساح المجال للضوء. ابتعد بالدولاب وقطع الأثاث الكبيرة عن مسار الضوء ليصل لأكبر قدر من المساحة.
-
إن كان هناك ولو مصدر واحد في المنزل ينعم بالإضاءة الطبيعية، فحاول تتبع الإشعاع واستقباله بالمرآة، حتى تقوم بعكسه لمكان آخر. ولا مانع إن استطعت استقبال الضوء بمرآة أخرى في محاولة لمد الإضاءة لأكبر مساحة ممكنة. إن كان في المبنى منور ذو مساحة كبيرة، يمكن استخدام هذه الحيلة لمد الأدوار السفلية بالضوء، لكن هذه حيلة تحتاج إلى مختصين.
-
إن كان بالإمكان خلق فتحات شبابيك جديدة في التوجيهات المحببة (الشمالية أو الجنوبية الشرقية)، أو زيادة مساحة الشبابيك الموجودة بالفعل في هذه التوجيهات، وإن كان بالإمكان زراعة أو إضافة شجرة أمام النوافذ؛ فاضمن لك منقيًا طبيعيًا للهواء ومصدرًا جيدًا للإضاءة.
-
حاول إضافة إضاءة غير مباشرة بجوار النوافذ وفي السقف لتمنحك إحساسًا بالإضاءة الطبيعية. والمقصود بالإضاءة غير المباشرة: إما المصابيح التي توجه إضاءتها للسقف، أو مسارات الإضاءة في السقف المستعار، مع التقليل من كثافة الأثاث أمام النوافذ ومصادر الضوء.
أخيرًا، حاول قضاء بعض الوقت في البلكونات إن أمكن، أو على أسطح البيوت إن كانت متاحة، لتنعم بأفضل مصدر للسعادة والطاقة والصحة: الشمس.