⁠العاشرة مساءً
٩٢٤ كلمة
٠ تعليق

قد نسمع كثيرًا جملًا مثل “محدش بيتغير” أو “محدش طبعه بيتغير“، خاصة عندما يتحدث شخص عن آخر يعتبره غير جيد الطبع أو سيئ النية. على سبيل المثال، عندما نكون على معرفة بشخص عصبي أو سريع الغضب، غالبًا ما ينتهي النقاش بجملة “العصبي بيفضل طول عمره عصبي“. قد تكون، عزيزي القارئ، قد طرحت هذا السؤال بنفسك، سواء عن شخص تعرفه جيدًا أو حتى عن نفسك. السؤال هنا: هل يستطيع الإنسان أن يتغير أو يغير من نفسه؟

في حقيقة الأمر، هذا السؤال معقد وبسيط في الوقت ذاته. كما أن الإجابة تعتمد على السياق والشخص ونوع التغيير المطلوب. على سبيل المثال، هل يمكن للإنسان أن يغير من شكله؟ من الناحية البيولوجية، هذا ليس بالأمر السهل؛ فلا يمكن لشخص أن يغير طوله أو هيكله العظمي. ولكن من زاوية أخرى، يمكن للإنسان تغيير مظهره الخارجي بطرق متعددة، مثل تغيير طريقة اللبس، تصفيفة الشعر، ممارسة الرياضة لبناء العضلات، أو حتى اللجوء إلى عمليات التجميل.

إذا تعمقنا أكثر في السؤال، يمكن أن نقسمه إلى نوعين رئيسيين:
أولًا، هل يمكن للإنسان أن يغير من شخصيته أو صفاته؟
على سبيل المثال، شخص انطوائي يود أن يكون اجتماعيًا أكثر، أو شخص غير قادر على تقبل الأفكار المختلفة أو متزمت في أفكاره ويريد أن يكون أصدقاؤه أو أقاربه أكثر انفتاحًا.
ثانيًا، هل يمكن للإنسان أن يغير من عاداته وسلوكه؟
على سبيل المثال، تغيير طبيعة النظام الغذائي، أو جدول النوم، أو تنظيم الوقت. في المقال الحالي، سنتناول السؤال الأول، مع الأخذ في الاعتبار أيضًا أن الصفات أو السمات مرتبطة بالسلوكيات إلى حد ما.

يجب أن نأخذ في اعتبارنا أن هذا السؤال له أبعاد نفسية وفلسفية ومجتمعية، وكل منها يؤثر على مسألة التغيير. لكن يبقى العامل النفسي أو الداخلي الأكثر تأثيرًا، لأنه ينشأ من داخل الإنسان ويكون تحت سيطرته المباشرة.

من الممكن أولًا أن نقسم الشخصية كما يفعل علم النفس، وفقًا لمقياس أو مدى إمكانية تغيير كل جانب منها. في علم النفس، تنقسم الشخصية إلى خمس سمات:

  • الانبساطية: وهي مدى اجتماعيتك وتفاعلك مع الآخرين

  • الضمير: وهو المسؤول عن مدى انضباطك الذاتي وتنظيمك لنفسك

  • الانسجام: وهو مدى تعاطفك وتقبلك لاختلافات الآخرين

  • الانفتاح: وهو مدى تقبلك للأفكار المختلفة أو الجديدة

  • العصابية: وهي سمة ترتبط بالعديد من اضطرابات المزاج والقلق، مثل اضطراب القلق الاجتماعي

وتتوفر درجات متفاوتة من السمات عند كل شخص، مما يجعل كل شخصية منفردة. اعتبرها، عزيزي القارئ، أن كل سمة لها مقياس من 1 إلى 10، وكل شخص له درجة متفاوتة في كل سمة. وجدت الأبحاث أيضًا أن تلك السمات مستقرة بشكل نسبي، ولكنها يمكن أن تتغير على المدى البعيد. كما أن قابلية تغيير كل سمة تعتمد على عوامل خارجية مثل عمر الشخص والعلاقات المحيطة والطموحات الشخصية والصدمات التي يمر بها. وكل عامل خارجي يمكن أن يؤثر على عدد من السمات أو السمات كلها، مما يعني أن التغيير لا مفر منه في كل الأحوال!

لكن، ماذا عن الرغبة في التغيير؟ قد أجبنا بالفعل على الجزء الأول من السؤال، وهو “هل الإنسان يقدر يتغير؟”، ويكمن الجزء الثاني، والأهم لبعض القراء، وهو: هل يمكن أن يغير الإنسان من نفسه؟

الخبر الجيد هو: إن كنت سألت نفسك ذلك بخصوص صفة تحب أن تغيرها في نفسك، فهذه هي بداية الطريق. لأن ذلك يدل على وجود وعي ذاتي.
الوعي الذاتي – والذي هو القدرة على الانتباه للذات ومعرفة صفاتها وأفعالها – أداة مهمة في النضج وبالتالي تكوين قدرة على تغيير الصفات غير المستحبة أو غير الملائمة.
لكن أيضًا، الوعي الذاتي هو عملية مستمرة، تتطلب من الشخص أن يراجع نفسه بشكل دوري. هناك أدوات يمكن استخدامها للمساعدة في ذلك، مثل الاستعانة بالأطباء النفسيين والمعالجين النفسيين، وكذلك طلب ملاحظات من الأقرباء بشكل منتظم.

فعلى سبيل المثال، إذا كنت شخصًا سريع الغضب ولديك القدرة على رفع الصوت، مما يزعج أو يثير استياء الكثير من الأشخاص، فإن الطب النفسي والعلاج النفسي يمكن أن يساعداك في تفسير تلك الانفعالات. قد يعني ذلك أن هناك فعلًا محددًا قد يثير غضبك، أو قد تكون تعرضت لصدمة معينة جعلتك في وضع دفاعي دائم. وفي كلتا الحالتين، يمكن أن يساعدك العلاج في تفكيك جذور الفعل أو الصفة، وبالتالي بناء قدرة أفضل في التعامل مع المواقف والسيطرة على رد فعلك.

أما بالنسبة لسؤال الأشخاص من حولك، فإن التواصل الفعّال وتعزيز قدرتك على الاستماع سيزيد من وعيك بنفسك أكثر فأكثر، لأن الاستماع إلى منظور مختلف قد يكون مفيدًا.

من الضروري أيضًا طلب الدعم من الأشخاص المحيطين بك، فمحاولة تغيير صفة غير مستحبة في الذات قد تصاحبها مشاعر بالذنب والوصم، مما قد يؤدي إلى العزلة في بعض الأحيان. من المهم تذكيرك، عزيزي القارئ، أن كل البشر بلا استثناء لديهم صفات غير مستحبة بدرجات مختلفة. كما أن العملية ليست بخط مستقيم، فمن العادي أن تتراجع خطوة أو تخطئ أو تجرب أشياء وأدوات مختلفة حتى تصل إلى هدفك المحدد. وأخيرًا، من المهم ألا تقارن رحلتك برحلة الآخرين أو صفاتك بصفاتهم.

ننهي المقال بالإشارة إلى قصة صحفية قررت أن تخوض رحلة لتغيير بعض صفاتها الشخصية (من الخمس سمات المشار إليها أعلاه) خلال فترة ثلاثة أشهر. حددت أهدافها لتصبح أكثر اجتماعية، وأكثر تنظيمًا، وأقل قلقًا، ثم رسمت خطة تتضمن أنشطة يومية ومراجعة أسبوعية لتقييم الأنشطة التي لم تناسبها أو تعزيز الأنشطة التي أثبتت فعاليتها. كما طلبت الدعم من أصدقائها وعائلتها.

خلال هذه الرحلة، كانت الصحفية قادرة على تحديد الصعوبات التي واجهتها، مثل صعوبة التخلص من العادات القديمة، ورد فعل الآخرين، وتأثير ذلك على دوافعها. استطاعت أيضًا تحديد هذه الصعوبات من خلال تسجيل ومراجعة دورية لأفعالها وأفكارها ومشاعرها. وفي النهاية، ناقشت النجاحات التي حققتها، مثل الشعور براحة أكبر في المواقف الاجتماعية. كما تأملت في التجربة ككل، مشيرةً إلى أهمية الوقت والمثابرة والمرونة لتحقيق الأهداف المحددة.

من الممكن أن نستخلص من تلك التجربة أن التغيير بالفعل يحتاج إلى وقت، وأنه ليس بفعل ثابت أو في خط مستقيم، بل يحتاج إلى الكثير من المرونة وتغيير الأفعال والأدوات إن لم تكن تناسبنا.

شارك هذا الـمقال