⁠العاشرة مساءً
٨٣٠ كلمة
٠ تعليق

ما نرتديه ليس تفصيلة هامشية، مهما تظاهرنا بالعكس.


في مرحلة ما من رحلة اكتشافنا لأنفسنا، يقف الواحد منا أمام المرآة، غير قادر بالضبط على تحديد ما الذي يبحث عنه: هل نرغب في أن نبدو جذّابين للجنس الآخر؟ أن نواكب الموضة؟ أن نتماهى مع “الصورة” المتوقعة منا؟ سواء تلك التي تفرضها المرحلة العمرية التي ننتمي إليها؟ أو تلزمنا بها المؤسسة التي نذهب إليها، سواء كانت جامعة أو مدرسة أو حتى شاطئًا؟ أم أننا بالأساس نريد أن نرتدي شيئًا لا يُشعرنا بالضياع بصريًا بين الناس؟ وفي الوقت نفسه لا نبدو مختلفين تمامًا عنهم.

في علم النفس الاجتماعي، عادة ما يُعرّف المظهر الخارجي بوصفه جزءًا من إشارات الهوية الاجتماعية، أي الرسائل التي يرسلها الفرد للعالم حول موقعه، ذوقه، قيمه، بل وحالته النفسية حتى. الملابس التي نرتديها لا تؤثر فقط على تصوّر الآخرين لنا، بل أيضًا على سلوكنا وثقتنا بأنفسنا. هكذا تقول الدراسات، وهو أمر تؤكده حتى خبراتنا الشخصية. فكّر في طريقة تعاملك مع العالم وأنت ترتدي بذلة أنيقة، أو ملابس جديدة. الملابس — شئنا أم أبينا — تتكلم. والسؤال ليس: “هل نهتم بها؟” بل: “كيف نختار أن تقول عنا ما نريده فعلاً؟”

١. افهم شكل جسدك كما هو، لا كما تتمنى أن يكون
أول خطأ شائع في بناء أناقة شخصية هو تجاهل “الحالة الفعلية للجسد” مقابل التصوّر الذهني أو الإعجاب بنمط لا يناسبنا. قبل أن تبدأ أي تنسيق، اعرف: طولك الحقيقي (وليس ما كنت تكتبه في الورق الرسمي). شكل الجسم (مستطيل؟ مثلث؟ منحني؟) وفق تصنيفات الموضة الرجالية. أين يزيد وزنك عادة؟ في البطن؟ الفخذ؟ الأكتاف؟
تجربة المصمم الأمريكي Tim Gunn، المشرف السابق على برنامج Project Runway، تشير إلى أن معظم الناس لا يختارون ملابس تناسب شكل أجسامهم، بل ملابس تُعبّر عن “ما يطمحون أن يكونوا عليه”. يختارون الوهم الجميل على حساب الحقيقة. النتيجة؟ إحساس دائم بعدم الراحة، حتى في أغلى القطع.
القاعدة الذهبية: الملابس الجيدة لا تغيّر جسدك، بل “تسكن عليه” بطريقة مريحة وواثقة.

٢. اختر ألوانًا تناسب بشرتك… وذوقك
تجربة الألوان ليست رفاهية. هي عملية علمية. لكل شخص درجات ألوان تلائمه حسب لون بشرته، شعره، عينيه. جرّب القاعدة التالية:
• إذا كانت بشرتك تميل للدفء (ذهبية، زيتونية)، تميل الألوان الترابية (كحلي، زيتوني، بيج، خمري) إلى تعزيز المظهر.
• إذا كانت بشرتك باردة (فاتحة جدًا أو وردية)، فالألوان الحادة مثل الأزرق الثلجي، الرمادي الفاتح، والأسود تبرزك بأفضل صورة.
لكن بعد فهم النظرية، اسأل نفسك: “ماذا عن الألوان التي أشعر فيها بالراحة حقًا؟”
الراحة النفسية أمام المرآة لا تقل أهمية عن القاعدة البصرية.

٣. كوّن خزانة قليلة… لكن منسّقة
المصممة جينيفر سكوت (Jennifer Scott)، مؤلفة كتاب “Lessons from Madame Chic”, تقترح ما يُعرف بـ “خزانة الـ10 قطع”، والتي تُمكّنك من بناء حالة أناقة ثابتة بقطع محدودة، قابلة للتنسيق.
الخطوات العملية هي الآتي: حدد ٣ قطع عليا أساسية (قمصان، تي شيرت). حدد ٣ قطع سفلى (بنطلونات، جينز، شورت رسمي). قطعة خارجية واحدة (جاكيت أو معطف خفيف). حذاءان متعددا الاستخدام. أضف لونًا واحدًا يميّزك: وشاح أو ساعة أو جورب غير متوقّع.
المفتاح هنا ليس الكثرة، بل التحكّم في التنسيق. تخطيط مظهرك في الصباح لا يجب أن يأخذ أكثر من دقيقتين.

٤. اجعل الملابس امتدادًا لسلوكك… لا أداة لتغطيته
في تجربتي الشخصية، كل مرة ارتديت فيها ملابس لا تُشبه سلوكي، شعرت بالانفصال. أن تلبس قميصًا رسميًا وأنت متوتر، أو بنطالًا عصريًا وأنت لا تطيق انتباه الناس، في كل مرة تفعل فيها ذلك، ستجد شعورًا بالتناقض في نفسك.
كتب عالم الموضة ديريك جاي (Derek Guy) ذات مرة: “المظهر الجيد هو حين تلبس ما تحبه، لكن الأهم: أن يبدو عليك أنك تحب ما ترتديه”.
يعني ذلك أن تختار قطعًا تتحرّك فيها بحرية، تُمكّنك من الجلوس والمشي والكلام بلا قلق. الثقة لا تأتي من نوع القماش وثمنه، بل في الطريقة التي ينساب فيها على الجسد.

٥. ابنِ طابعك البصري تدريجيًا… لا من أول دفعة
لن يتغير كل شيء بين يوم وليلة. ابدأ بقطعة واحدة “مختلفة لكنك ترتاح إليها”. جاكيت داكن، حذاء نظيف بجودة عالية، قميص بأزرار خشبية. كل قطعة جديدة تمنحك فكرة عن ذوقك، وتمنح الناس “علامة” يتذكّرونك بها. الشخص الأنيق لا يُفاجئ الناس في كل ظهور، بل على العكس، يبني أسلوبًا ثابتًا فيه مساحة للتطوير، لا للصدمة.
أشعر هنا برغبة في الاستدراك: وينطبق هذا على كثير من الأشياء في الحياة، لا الملابس فحسب.

٦. دع الأناقة تشتغل في الخلفية… لا تسرق التركيز
أنيق يعني مُنسّق، حاضر، دقيق. لا يعني مبالغًا، ولا استعراضيًا، ولا غارقًا في البراندات. كل الدراسات حول “first impression bias” تُظهر أن ما يلفت الناس في أول لحظة هو “الاتساق”: القطعة تُناسب جسدك، الألوان لا تتضارب، الحذاء ليس خارج السياق. ومن ثم، تبدأ الملاحظة الأهم: هل تبدو مرتاحًا؟

٧. وأخيرًا: كن واضحًا، لكن لا تكن أحدًا غيرك
أناقتك هي طريقة تواصلك الصامت مع الناس. ليست عرضًا. لا توجد “أناقة مثالية”، بل أناقة تُشبهك وتُريحك وتخدمك. أن تكون أنيقًا لا يعني أن تبدو غنيًا، ولا كأنك دائمًا على وشك حضور مناسبة مهمة. بل يعني أن تختار ما ترتديه بوعي، لا بخوف. أن تقول: “أنا أعتني بنفسي. لا لأُبهر، بل لأحترم هذا الجسد وهذه الروح، وهذه الأيام التي أعيشها الآن.”
وهذا، كما يعبّر عنه المصمم الياباني يوهيجي ياماموتو (Yohji Yamamoto) بطريقة شعرية:

“هو الفرق بين ارتداء الملابس للفت الانتباه.. وبين ارتدائها ليُسمع صمتك بوضوح”.

شارك هذا الـمقال