بين الفجوة الزمنية وما يُقال عن التوازن
في قصص الحب، لا تُذكر الأعمار في البداية. يقال: تعارفا. انسجما. أحبّا بعضهما. ثم في منتصف الحكاية، يظهر رقم: هو أكبر منها بعشر سنوات. هي أكبر منه بخمس. ويتحوّل الحب من مسألة قلبية… إلى مسألة حسابية.
يبدأ الناس في العد: كم فرق العمر؟ ومتى سيشيخ أحدهما؟ ومن سيتوقف أولًا عن الحلم؟ ومن سيتعب من الركض نحو الآخر؟ لكن… هل العمر وحده يكفي لشرح الفرق؟ وهل التفاوت الزمني هو حقًا الفارق الأهم؟
ما الذي يُقلق الناس حين يسمعون عن فارق سن كبير؟ ربما الفكرة الشائعة أن الحب لا يعيش إلا على “أرض مشتركة”. وأن من وُلد في زمن الأغاني القديمة لن يرقص على موسيقى هذا الجيل، ومن شبّ في عصر الرسائل الورقية، سيجد صعوبة في حبّ من لا يعرف سوى المحادثات السريعة. الفكرة — ببساطة — أن “الزمن” ليس رقمًا، بل تجربة. ومن يعيش في زمن مختلف، يعيش حياة مختلفة. وحين تحاول جمع زمنين في علاقة واحدة، يبدو الأمر كأنك تركّب قطعة من لعبة مختلفة.
ماذا يقول العلم؟
في دراسة منشورة في Journal of Population Economics، وُجد أن الأزواج الذين يفصل بينهم أكثر من عشر سنوات يواجهون تحديات على مستوى الرضا الزوجي مع مرور الوقت، لا سيما حين يبدأ أحدهما في التقدّم في العمر ويشعر الآخر بتباعد في الطموح أو الإيقاع الحياتي. لكن الدراسة نفسها تشير إلى أن هذه التحديات تقل حدّتها إذا كان هناك توافق في القيم، والاهتمامات، وطريقة الحياة. أي أن الفرق في السن ليس هو المشكلة، بل الفرق في الرؤية، والإيقاع، والحاجة من العلاقة.
وفي الفلسفة، هل هناك إجابة؟
يكتب رولان بارت في Fragments of a Lover’s Discourse: “الحب لا يحدث بين شخصين متساويين، بل بين شخصين مختلفين بما يكفي ليشعر كل منهما أن الآخر يكمله.” والسؤال يصبح: هل التفاوت في السن اختلافٌ يثري؟ أم فجوةٌ تبتلع الانسجام؟ هذا لا تجيب عليه النظرية، بل يجيب عليه اليوم العادي: كيف يتحدثان؟ هل يضحكان؟ هل يشعر الأصغر بأنه يتعلم لا يُقاد؟ وهل يشعر الأكبر بأنه محبوب لا يُعيل؟
حين يتحول العمر إلى أداة سيطرة
في بعض العلاقات، لا يظهر فارق السن فقط كخلفية، بل يصبح أداة: الأكبر يستخدم الخبرة لإسكات الأصغر. الأصغر يستخدم النضارة كسلطة عاطفية. ويتحول الحب إلى تفاوض… لا إلى رفقة. وهنا، حتى فارق السنوات الصغيرة قد يُشعر الطرفين بأن العلاقة ليست متكافئة.
ومتى يُصبح الفارق عادياً؟
حين لا يُذكر. حين يتوقف أحدهم عن قول: “أنت صغير، لن تفهم”. أو: “أنت كبير، لا تملك طاقتي.” حين لا يُستخدم الرقم كأداة للتمييز، ولا كعذر لتوقعات غير منطقية. حين يُعامل كل طرف الآخر على أنه “كامل”، لا ناقص زمنيًا. حين يكون هناك احترام متبادل لا يشترط التطابق… بل يعترف بالاختلاف ويحتويه.
الحب لا يُقاس بالسنة، لكن باللحظة التي يختار فيها شخص أن يكون معك — رغم الاختلاف. فارق السن قد يكون مرآة: تُريك كم أنت راغب في التعلم، أو كم أنت متشبث بأن يكون الآخر مثلك تمامًا. وإذا كان الحب لا يتّسع إلا لمن يُشبهنا في كل شيء، فما قيمته؟ وأين أثره؟ ولماذا يُغيّرنا أصلًا، إن كنا لا نحتمل أن يُغيّرنا قليلًا؟