١١٣١ كلمة
٠ تعليق

هل لديك حيوانٌ أليف؟ أو تفكر في اقتناء واحد؟

قطٌ صغير لعوب، أو كلبٌ لطيفٌ يرحب بك كلما فتحتَ باب المنزل؟ حتى وإن كنتَ لا تربي حيوانًا أليفًا، ربما زرت منازل أصدقائك وقابلت حيواناتهم الأليفة الجميلة، وربما شجعتك علاقتهم على اقتناءٍ واحدٍ بنفسك وتبنيه. فكرةٌ جيدة. تربية قطٍ أو كلب هو إحدى أجمل العلاقات التي قد تكوِّنها في حياتك، أُلفةٌ مطمئنة ولعبٍ متواصل بلا لغة تواصل مشتركة.

لكن، هل نظرتَ يومًا لقطك الأبله وهو يركض على أريكتك في محاولةٍ للإمساك بخيطٍ يكاد لا يرى، وفكَّرت: “أيمكن لكرة الفرو اللطيفة هذه أن تلتهمني إن سنحت لها الفرصة؟ ووجدتني جثةً بلا حراكٍ أمامها؟” الإجابة ببساطة: نعم.

في عام 2020، اشتبهت الشرطة الأسترالية أن رجلًا في السبعين من عمره قد مات في منزله منذ عدة أيام، اتجهوا إلى شقته وأقصى ما توقعوا إنهم بصدد رؤيته هو مشهدٌ مؤسف لرجلٍ مات وحيدًا، لكن لم يتصوروا أن ثلاثين قطة ستفرُّ هاربةً فور فتح باب منزله. عثروا على جثته في قلب بيته، وجهه متآكل حدَّ أن جمجمته تُرى بالعين، وقلبه ورئتيه ليسا في جوفه. وكإجابةٍ لكل أسئلتهم، وجدوا قطةً تتموضع وسط صدره المجوف.

يقول روجر بيارد، اختصاصي الطب الشرعي في جامعة أديلايد الذي كتب عن القضية، إن المشهد لا يدل سوى أن دبًا أو حيوانًا مفترسًا قد التهم الرجل، وليس قططًا مسالمةً أليفة. لم تكن هذه الحادثة سابقةً من نوعها؛ تُشير كارولين راندو، عالمة أنثروبولوجيا الطب الشرعي في جامعة كوليدج لندن، “علينا تقبُّل أنه في نهاية المطاف ستأكلنا حيواناتنا الأليفة، هذه مجرد حقيقة من حقائق الحياة”.

كانت بعض الدراسات السابقة قد كشفت عن اختلافاتٍ بين طرق الالتهام عند هذين الحيوانين الأليفين. تميل الكلاب إلى التهام وجه الإنسان وحَلقه، ثم تكسر الضلوع وتمضغ العظام، العظام ذاتها التي تحبُّ اللهو بها أمامك. أما القطط فمنهجيتها مختلفة، تسلخُ الجلد بدايةً من الأنف والشفة العليا ثم الأصابع، تُشير راندو أنها نفس الأماكن التي تعضها حين تلعب معك وأنت على قيد الحياة، ليس خبرًا مفاجئًا لأنه ربما صفعتك قطتك على وجهك خلال نومك.

يعتقد الباحثون أن الجوع عادةً هو المحرك الأساسي، لكن هذا سيناريو مثالي، جميعنا نوَّد أن نصدق أن كرة الفرو ستفكِّر مليًا وستستغرقُ وقتًا قبل أن تخلع رداء أُلفتها، لكن يؤسفني إبلاغك أن بعض الحيوانات الأليفة لن تنتظر حتى تزقزق عصافير بطنها، بل ما يحدث أنها تقلق حين لا يستجيب مالكها، الشخص الذي تعرفه جيدًا ويستجيب لاستفزازها له معظم الوقت، خاصةً في حال مات ميتةً عنيفةً أو مفاجئة، ينتابها الذعر حينها فتبدأ في لِعق وجهه لتُطمئن نفسها، وسرعان ما يتحول هذا اللَعق إلى التهامٍ شرس. ليس بالضرورة أن الكلب أو القط يودُّ فعلًا التهامك، لكن مع ذعره وقلقه وتذوقه للدماء، يعجز أن يكبح جماحه.

يقول ستانلي كورين، أستاذ علم النفس، وباحث في علم النفس العصبي متخصص في قدرات الكلاب العقلية وتاريخها، إن التفسير بسيطٌ للغاية؛ الكلاب حيواناتٌ تنحدر من الذئاب، إن وجد كلبًا أن صاحبه قد مات وليس ثمة مصردٌ بديل للطعام، ماذا عليه أن يفعل سوى تناول أي لحمٍ يجده في طريقه؟ وكي أطمئنك عزيزي القارئ، فأن كل حالةٍ تختلفُ عن أختها، في بعض الحالات، اتضح أن الحيوان لم يجد مفرًا لينجو سوى التهام صاحبه، نُشر تقريرٌ عام 2007 أتى فيه أن كلبًا من سلالة مختلطة ظل يلتهم جثة مالكه شهرًا كاملًا، حدَّ أنه في النهاية لم يتبق سوى الجزء العلوي من الجمجمة وشظايا عظامه.

لكن في واقعةٍ أخرى حدثت عام 1997، شرع كلب الجيرمان شيبرد في أكل صاحبه بعد موته بوقتٍ وجيز. أيضًا نُشر تقرير عام 2015 عن الكلاب فحسب، ذُكر فيه أن 24% من الكلاب لم يمر يومٌ كامل على موت أصحابها وبدأوا في تناول أجزاء من أجسادهم. الأدهى والأمر أنه في بعض الحالات كان الطعام العادي متاحًا للكلاب، لكنها لم تأكله.

الغريب أن النمط الذي تسلكه الكلاب في أكل جثث أصحابها لا يتماشى مع سلوك الحيوانات المفترسة في البرية. 73% من الحالات المرصودة لُوحِظ فيها أن الكلاب تعضُ الوجوه و15% من الكلاب فقط كانت تبدأ بافتراس البطن. مع أن العكس تمامًا يحدثُ في الغاب، إذ تسلك سلوكًا مغايرًا فتبدأ مباشرةً بالبطن لأكل الأعضاء الحيوية الغنية بالعناصر الغذائية ثم الأطراف، ويندر أن تُسبب جروحًا في رأس الجثة.

لكنِّ لا تدور هذه الحقيقة الصادمة، وإن كانت طبيعية، حول البشر بل حول ما يلي ذلك من مشكلات، في حال أكلت القطة شخصًا ما، لن تكون هذه النقطة هي الأزمة، إنه ميتٌ بالفعل، بل في تحديد سبب الوفاة. يواجه المحققون صعوبةً إن التهم الحيوان الأليف شخصًا وجوده ميتًا، هل مات مقتولًا؟ مسمومًا؟ أو تعرض للاعتداء الجنسي؟ لا إجابة لهذه الأسئلة إن أُكِلت أعضاؤه الداخلية والتناسلية. لكن لا بأس، لكل مشكلةٍ حل، تقدم دراسة جديدة نُشرت في مجلة “علوم الطب الشرعي والطب وعلم الأمراض” (Forensic Science, Medicine and Pathology) طرقًا للمحققين لمعرفة إن كان حيوانًا قد عَبثَ بالجثة، ليس هذا فحسب، بل ونوع الحيوان ومخططًا سياقيًا يوضح كيفية جمع البيانات من مكان الحادث وتوقيتها كذلك من خلال معاملة الحيوان الأليف كمشتبهٍ به بدايةً كي يستثنوه من التحقيق، عبر جمع عيناتٍ من الفراء والبراز وكذلك آثار الأسنان مهما بدت بسيطةً وسطحية، وأيضًا الأخذ في الاعتبار إن كانت الجروح الذي سيتسبب بها الحيوان الأليف قد تؤدي إن جذب بعض الحشرات التي ستعرقل مسار التحقيق.

هل فعلًا خطواتٍ بسيطةٍ كهذه قد تُغير مسار التحقيق وتُحقق العدالة لشخصٍ قُتل غدرًا؟ نعم. يقول غابرييل فونسيكا، طبيب أسنان شرعي بجامعة لا فرونتيرا، أن مخططًا كهذا كان سيُثبت جدواه في حادثٍ وقع من فترةٍ قريبةٍ في تشيلي، إذ عثرت الشرطة على امرأة مسنة يبدو لأول وهلةٍ أنها توفيت لأسباب طبيعية ثم أكل كلبها وجهها، لم يدرك المحققون أنها ضُرِبت على وجهها أثناء عملية سطوٍ على منزلها إلا بعد أن أجرى الطبيب فحصًا بالأشعة المقطعية على جسمها، واتضح أن عضات الكلب أخفت الإصابات.

لنتحدث بصراحة، ليس ثمةَ ضامن أن حيوانك الأليف لن يأكلك إذا مت، حتى الهامستر والعصافير، يُعرف أن تبحثُ عن طعامها في بعض الأحيان حين يختفي الشخص الذي يطعمها. ولأن القاسم المشترك بين كل تلك الحالات هو أنهم ظلوا بمفردهم وقتًا طويلًا فلم يلحظ أحدٌ اختفائهم، تطمئننا راندو بأن الطريقة الوحيدة كيلا تفترسنا حيواناتنا الأليفة هي بناء دائرةً اجتماعيةً وثيقة حولك، أناسٌ يمكنهم الاطمئنان عليك إن لم تتصل بهم أو تظهر في حياتهم بشكلٍ ما.

ولكن سواء ما إذا كانت حيواناتنا الأليفة ستأكلنا بعد الموت أم لا، فالحقيقة هو أن طرح ذلك السؤال، والإجابات المختلفة عليه، ووقعها على النفس، يقول الكثير عنّا كبشر أكثر مما يقول عنهم. فالحيوانات هي الحيوانات، تعيش بغرائزها وعبر مجموعة محددة من السلوكيات، لا تملك ما نملكه، ولا تبحث بالضرورة عمّا نبحث عنه، وبالطبع لا تتقزز ممّا طوّر البشر ناحيته شعورًا بالتقزز على مدار سنوات طويلة من التطوّر. ربما على الإنسان أن يتوقف هنا ليسأل نفسه: لماذا يزعجني أن تصدر هذه التصرفات من حيواني الأليف؟ هل أسقط عليه أكثر مما يحتمل، بوصفه حيوانًا أليفًا؟

المصادر:

Yes, your pet might eat your corpse. That’s a problem for investigators, Sara Reardon, Science

Postmortem predation by a clowder of domestic cats, Roger W. Byard, Forensic Science, Medicine and Pathology

Would Your Dog Eat You if You Died? Get the Facts, Erika Engelhaupt, National Geographic

Cat and dog scavenging at indoor forensic scenes: strategies for documentation and detection, Lara Indra, et al., Forensic Science, Medicine and Pathology

شارك هذا الـمقال