كل منا يعود من عمله مرهقًا ذهنيًا أو جسديًا، وبالتالي القيام بنشاط جديد غالبًا ما يصعب البدء فيه أو المداومة عليه، لكن بناء تلك العادة التي قد تصبح عادة استرخاء ليس بالمستحيل على الإطلاق. وهنا شقّان: إما التوازن وبناء الروتين مع العمل اليومي، أو التركيز على أيام الإجازات. ولكن الأولى تجعل العادة جزءًا من روتينك، ومع الوقت تصبح جزءًا من العادات اليومية التي قلّما تفوّتها.
سألت صديقة لي يستقطع عملها معظم وقتها، وبعد العمل تنشغل بمهام الحياة بين البيت أو الراحة، وبالتالي القراءة ليست في روتينها اليومي حاليًا. سألتها إذا كانت تود القراءة؟ فأخبرتني أنها ترغب بشدة، ولكن الوقت والإرهاق يمنعانها من ذلك. فسألتها: فما السبب في رغبتها بالقراءة بالأساس؟ فقالت إنها غالبًا ما تقرأ للتطور في عملها، وربط القراءة بالعمل. فقلت إن هذا منطقي ورائع، لأن وجود دافع يجعل البداية أسهل، فمثلما نشرب القهوة للاستمتاع، أو نذهب للعمل لكسب المال، يجب علينا معرفة هدف القراءة: هل هو للاستمتاع؟ لتقليل التوتر من الحياة السريعة؟ للدراسة؟ لتطوير اللغة أو زيادة الإبداع؟ قد يمنعنا العمل اليومي من تحقيق هذه الأهداف، لذا سأقترح خطوات عملية لبناء روتين قراءة، تختار منها ما يناسب جدولك اليومي.
البحث عن الكتاب المناسب
عليك في البداية ذكر هدفك من القراءة كما ذكرنا، وعليه ستحدد بحثك عن كتابك. يمكنك أن تستعين بمحركات الذكاء الاصطناعي، أو تصفح منصات الكتب المختلفة. زيارة للمكتبة لتتجول فيها بنظرك عما يشدك، فبذل جهد لأجل فعل معين قد يساعد على الالتزام به، وتبني عليه روتينًا لتكون فترة القراءة فترة راحة من الأجهزة الإلكترونية، وزيادة التركيز، كون فعل القراءة يزيد ذلك في عالم قائم على التشتت، فهو فعل التأني والارتباط باللحظة. أو الاستعانة بصديق للتذكرة والتشجيع اليومي، أو مجموعة قراءة، أو نوادي القراءة على السوشيال ميديا، وإن كنت أعتبر فعل القراءة فعلاً فرديًا، لكن النقاش والتفاعل اللاحق هو الجماعي. لكن في البداية جرّب كل شيء لمعرفة ما يناسبك.
حدد الوقت المناسب للاستمرار وتجنب حماس البدايات
هل أنت شخص نهاري أم ليلي؟ وبناء عليه ضع وقتًا حوالي نصف ساعة في بداية أو نهاية يومك، واجعلها مثلها مثل أي عادة لا بد أن تمارسها في يومك. وابدأ بقراءة صفحات محددة، بدون أن تضع خطة مثل: “في هذا الشهر سأقرأ ٥ كتب!” وأنت منقطع عن القراءة فترة. ماذا عن البدء بكتاب مناسب لك تنهيه؟ وبعدها تبدأ في الذي يليه ثم غيره، حتى تصبح عادة طبيعية في يومك.
نوع القراءة
تؤثر نوعية القراءة على ساعات وأوقات القراءة، فمثلًا لو تقرأ مادة للتطور في العمل، عليه إذًا الأفضل أن تكون جزءًا من روتين العمل اليومي، قبله أو بعده، أو لجعل قراءة الإجازة متغيرة عن الروتين الأسبوعي. أو لتكون أيام الإجازة لمذاكرة كتب في لغة أخرى، أو تخصص تريد التعرف عليه، يتطلب جهدًا ذهنيًا ووقتًا للقراءة.
الكتب الصوتية
ربما تعرفها، وربما جرّبتها خاصة في شوارع المدينة المزدحمة والرغبة في استغلال الوقت الضائع قبل وبعد العمل، أو في العديد من الأفعال اليومية التي لا تتطلب تركيزًا، مثل الوقوف لتحضير وجبة، أو وقت الجيم، أو الاستعداد للعمل في الصباح قبل الخروج من البيت، أو قبل النوم مع وقت مخصص لذلك حسب نوع القراءة كما ذكر. بحيث تجعل النظر للسقف ليلًا مصحوبًا بالاستماع لكتابك المفضل.
القراءة الإلكترونية
من يفضل القراءة من الشاشة، فقد يكون حمل الكتاب عبئًا مع التنقل باستمرار، أو أنت ممن تفضل التصفح في الشاشة، فهو في الحقيقة أكثر مرونة ووصولًا في أي زمان ومكان. ولكن عليك أن تعرف أن له ميزات وعيوبًا، ولن أدخل كثيرًا في كلاهما، فأنت تعرفهما، لكن سأتحدث عن: ماذا لو معك الكتاب إلكترونيًا؟ فهذا يساعدك على الإشارة والتظليل وحفظ النص الذي قرأته بكل سهولة على كل الأجهزة، كما أنه قد يساعدك على ترجمة النص، والبحث عن معاني كلمات معينة.
وعليه، لو قررت القراءة على الكمبيوتر الشخصي، فأفضل وقت لتفعل ذلك قبل فتح ملفات العمل في الصباح في الكتاب الذي واظبت عليه في البداية يوميًا قبل ازدحام المكتب. ولو كان هاتفك، فعليك بتفعيل خاصية القراءة، والقراءة على تطبيق مخصص لذلك بحيث يشجعك، وفي كل مرة يعرفك الوقت الذي أنجزته، ويحدد لك نسبة الانتهاء من الكتاب. كما تعرف أن الموبايل معك في كل مكان: في طوابير الانتظار في المصالح اليومية، وقت الأكل، قبل النوم، المواصلات، السفر. لكن التشتت هو مهمتك لتتحكم فيه بالخطوات السابق ذكرها.
هناك أيضًا الجهاز الأكثر صلة والمخصص فقط للقراءة، وهو جهاز الكيندل – وإن كانت ظهرت شركات أخرى – لكن الكيندل إن كنت لا تعرفه، هو جهاز مخصص للقراءة والكتب فقط، به خاصية تمنحك الشعور بأنك تقرأ في كتاب ملموس، ليس عليه أي تطبيقات أخرى، وبالتالي احتمالية التشتت أو زيارة أي تطبيق غير متاحة. وهو جهاز صغير، قد يكون في وزن كتاب واحد.
مراجعات الكتب
ما أكثر المنصات التي تتناول ذلك حاليًا، سواء في صورة مكتوبة، أو فيديوهات على اليوتيوب، أو بودكاست يناقش فكرة كتاب معين ويعطيك زبدته، أو يحدد لك مدى ملاءمته لك، أو المراجعات على تطبيقات القراءة المختلفة. فألقِ نظرة عليها، لكي تعرف لونك المفضل أو لكي تتحمس لكتاب معين وتقرأه، أو لكي تتفاعل مع الكتاب ومع غيرك من قارئيه. كما أنك قد تستعين بها كوسيلة لتحديد هل ستختار هذا الكتاب أو غيره دون إضاعة الكثير من الوقت معه.
القارئ الذي قرأ هذا ولديه وقت له، قد يبدأ فعلاً مع المقالات الصغيرة، فهي وسيلة منجزة، لكن عليك البدء برحلة مع كتاب كونه الوسيلة الأكثر انتظامًا وتسلسلًا، والأقل تشتتًا عن القراءة في العديد من البساتين. لو نظرت حولك ستجد أن المبدعين وأصحاب الأفكار، ومن لديهم هوايات يومية ووقت وروتين لنفسه، غالبًا هو صديقك القارئ، يرافقه الكتاب ويصاحبه ويبني له روتينًا بناءً على القراءة لا العكس.
لكن من يقرأ هنا لديه الوعي أنه ليس صديقه القارئ النهم حاليًا، وعليه أن يقرر أن يبدأ بخطوات بسيطة، كل ما عليك هو التجربة، مع البدء بسيطًا ليأخذك لخطوات متطورة يُبنى عليها هدف، ثم روتين، ثم إلى نظام حياة.