في لحظة معيّنة من حياة الكثيرين، قد نمر بتجربة صادمة تتمثل في الحصول على علامات دراسية منخفضة. إنها لحظة تترك في النفس شعورًا بالخوف والقلق، وربما الإحباط، وتجعلنا نطرح على أنفسنا السؤال: “هل أنا غير قادر على النجاح؟” لكن الحقيقة هي أن هذه اللحظة، رغم صعوبتها، قد تكون بداية لرحلة تعلّم ذات معنى أعمق، رحلة يتجاوز فيها الإنسان مجرد السعي للحصول على العلامات الجيدة.
لعل أحد الأشخاص الذين عاشوا هذه التجربة هو كين روبنسون، الذي أبدى اهتمامًا كبيرًا بكيفية تطوير التعليم وتنمية الإبداع لدى الطلاب. قال روبنسون في أحد لقاءاته: “النظام التعليمي، في كثير من الأحيان، يقيم الطلاب وفق معايير ضيقة، ما يسبب لهم مشاعر الإحباط إذا لم يحققوا النجاح في هذا الإطار المحدود.” يؤكد روبنسون هنا أن العلامات لا تعكس دائمًا قدراتنا الحقيقية، بل تعكس قدرتنا على التأقلم مع نمط معين من التقييم.
روبينسون يعتبر هذه المرحلة فرصة لإعادة النظر في طريقتك في التعلّم واكتشاف مهاراتك الخاصة. فتلك العلامات المنخفضة قد تكون دعوة للنظر إلى نفسك بشكل مختلف، لتسأل نفسك: “ما هو الشغف الذي يحفزني؟ وما هي المجالات التي يمكن أن أبدع فيها حقًا؟”
ليس كل طالب يجد المواد كلها صعبة أو سهلة أو مثيرة للاهتمام بنفس الدرجة، فعليك أن تبني علاقة قوية مع مجموعة من المواد تجعلك تشعر بالثقة عندما تحصل فيها على درجات عالية، وهي المواد التي تراها تُشبع فضولك، وتستعين بهذه الثقة على مواجهة المواد التي تجد فيها صعوبة. فأنت هنا كأنك تقول لهذه المواد: “لست غبيًا أو فاشلًا، والدليل أنني تجاوزت المادة كذا وكذا.”
إن الهدف من الدراسة ليس مجرد تحصيل العلامات. هذا ما تؤكده تجربة الفيزيائي ألبرت أينشتاين، الذي لم يكن تلميذًا متميزًا في المدرسة؛ بل كان يجد صعوبة في التكيّف مع أسلوب التعليم التقليدي. لكن ذلك لم يمنعه من البحث في العلوم بطرق جديدة ومختلفة، ويُقال إنه اعتبر العلامات مجرد تقييم مؤقت، بينما رأى أن المعرفة والفهم هما الأهم.
يذكر أينشتاين: “الفضول هو أعظم قوة دافعة لدي.” وهذا ما يمكن أن يُلهمك لتجاوز العلامات المتدنية؛ فبدلًا من التركيز على التحصيل الأكاديمي كهدف وحيد، يمكن أن توجه اهتمامك إلى اكتساب فهم أعمق للمواد التي تدرسها. اسأل نفسك: “ماذا يمكنني أن أتعلم من هذا المجال حتى وإن لم أحقق درجات عالية؟” قد يكون في هذا السؤال المفتاح لتحويل الدراسة إلى تجربة ثرية.
الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر كان يؤمن بأن الإنسان يتشكل من خلال اختياراته وتجاربه، بما في ذلك أخطاؤه. “الحرية تكمن في القدرة على التغيير”، يقول سارتر، وهي القدرة التي يمكنك استثمارها في مراجعة تجاربك الدراسية.
تجربة الطلاب الناجحين الذين تجاوزوا عقبات دراسية كبيرة تؤكد هذه الفكرة؛ كثير منهم وجدوا في أخطائهم مصدر إلهام لتحسين طرق دراستهم، أو لإعادة النظر في أساليب التحضير، أو حتى لتطوير مهارات جديدة كالتنظيم وإدارة الوقت. فالتعلّم أحيانًا يكون في معرفة: “كيف أتعلم؟” وليس فقط “ماذا أتعلم؟”
ينسى كثير من الطلبة – خاصةً ما قبل المرحلة الجامعية – أن يعرفوا الكثير عن أنفسهم بسبب نمطية ومحدودية التعلم داخل الفصول الدراسية. ولكن صدقني أهم ما يجب أن تخرج به من مرحلة المدرسة هو الإجابة على الأسئلة التالية: أي نوع من الطلبة أنا؟ ما هي أوقات الذروة للدراسة بالنسبة لي؟ ما هي الطرق الأفضل التي تثبت بها المعلومة في رأسي؟ فالإجابة عن كل هذا سيكون الدرس الرئيسي الذي يفتح لك الباب أمام كل دروس المستقبل. فلا تقارن رحلتك وطرقك العلمية برحلة طالب آخر، لأن لكل فرد وسائله ومحفزاته.
تذكر أن النجاح ليس دائمًا مرتبطًا بالعلامات وحدها، بل هو أيضًا ثمرة الحافز الداخلي. المفكر النفسي كارل يونغ كان يؤمن بأن الحافز العميق يأتي من داخل الإنسان وليس من التوقعات الخارجية. يقول: “ما لم يتحفز المرء من الداخل، لن يصل إلى المعنى الحقيقي للعمل.” هذا الحافز الداخلي هو ما يدفعنا إلى الاستمرار حتى في الأوقات الصعبة، وهو ما يجب أن تستمد منه طاقتك للتعلّم.
يمكنك أن تسأل نفسك: “لماذا أتعلم؟ ماذا يمكنني أن أحقق من خلال دراستي؟” حين تركز على الدوافع العميقة التي تدفعك، ستجد أن تجربة التعلّم تصبح أكثر إثارة، حتى وإن لم تحقق نتائج مثالية على الفور.
في النهاية، العلامات ليست نهاية الرحلة، بل هي مجرد محطة مؤقتة. العلامات المنخفضة قد تكون نداءً لاستكشاف طريقة جديدة في الدراسة، أو فرصة لاكتشاف شغف جديد. كما قال الكاتب الأمريكي هنري ديفيد ثورو:
“لم أتعلم شيئًا ذا قيمة إلا بعد أن قررت أن أتعلم من كل شيء، حتى من إخفاقاتي.”
يمكن أن تكون هذه الإخفاقات بداية لفهم أعمق وأصدق عن نفسك، وأن تتحول تجربتك الدراسية إلى رحلة ممتعة ومثرية، تتعلّم فيها من الحياة بقدر ما تتعلم من الكتب.