بعد منتصف الليل
٦٢٠ كلمة
٠ تعليق

أثناء قراءتي لكتاب عام التفكير السحري لـجون ديديان، وجدت نفسي مندمجًا في تجربة ديديان الشخصية بفقدان زوجها، وما واجهته من ألمٍ وارتباك في سعيها لفهم تلك الخسارة. ومن بين تفاصيل قصتها، جذبتني إشارة ديديان إلى كتاب إيميلي بوست جنازات، الذي وضع أسس التعامل الاجتماعي في ظروف الموت والحزن. لقد ألهمتني هذه القراءة للبحث في نصائح بوست، وتأملات حول كيفية الاقتراب بلطف من أولئك الذين يمرون بهذه التجربة الموجعة. في السطور التالية، أشارك بعضًا من تلك التوجيهات التي وجدتها ضرورية ورحيمة، لعلي أساعد من يتساءل كيف يمكنه تقديم الدعم لمن فقدوا أحباءهم.

تبدأ بوست بالحديث عن الإصغاء، مشددة على أن الإصغاء الهادئ يعتبر من أنبل أشكال الدعم. غالبًا ما تكون الكلمات غير كافية ولا تلبي احتياجات من فقد عزيزًا. لذا، فإن الحضور مع الشخص والاستماع إلى كلماته – أو حتى صمته – هو أحد أكثر الأشياء الداعمة التي يمكن تقديمها. في تلك اللحظات، لا حاجة للتعليق أو التخفيف، وإنما يكفي أن تتيح لمن يمرون بهذا الألم الفرصة للتعبير عما بداخلهم دون الحكم أو محاولة “إصلاح” مشاعرهم.

قد يبدو لبعضنا أن تقديم الدعم هو أمر محدود بوقتٍ معين، إلا أن بوست تُذكّرنا بأن الشخص المفجوع قد يحتاج الدعم حتى بعد انتهاء مراسم الجنازة وعودة الحياة إلى ما يُشبه طبيعتها. توصي بوست بالبقاء على تواصل بسيط، ربما عبر رسالة نصية أو مكالمة قصيرة، مما يطمئن الشخص بأن الحزن الذي يشعر به لا يزال مفهومًا ومقدّرًا من الآخرين.

تشير بوست إلى أن من يعاني من فقدان عزيز قد لا يكون قادرًا على إدارة الأمور اليومية المعتادة. من هنا، تأتي أهمية العون العملي مثل تحضير الطعام، أو المساعدة في التنظيف، أو حتى تنظيم الأمور اللوجستية. هذه الأمور الصغيرة قد تكون أكبر دعم يمكن تقديمه، خاصةً عندما يصبح الحزن ثقيلًا ويستنزف الطاقة بشكل يصعب معه القيام بالمهام البسيطة.

يُعتبر الحزن عملية غير ثابتة، وقد تمر مشاعر الشخص المفجوع بتقلبات شديدة بين الهدوء والعصبية، أو بين الرغبة في الحديث والصمت. وهنا تنصح بوست بالتحلي بالصبر، وعدم أخذ ردود الفعل المتقلبة بشكل شخصي، فالشخص في تلك الفترة يمر بما يشبه العاصفة النفسية، وأفضل ما يمكن فعله هو تركه ليمر بها دون الحكم أو الشعور بالإحباط.

تؤكد بوست على أهمية احترام خصوصية من فقد عزيزًا، وتجنب التدخل في قراراته أو محاولة فرض آرائنا عليه. كما توصي بطرح أسئلة مثل: “كيف يمكنني مساعدتك؟” أو “ما الذي تحتاجه مني؟”، بدلاً من تقديم نصائح غير مرغوبة أو محاولات للتوجيه. هذه الطريقة تُظهر الدعم دون فرض ضغوط إضافية على الشخص المفجوع، مما يتيح له أن يُعبّر عن احتياجاته الحقيقية.

من الطبيعي أن نشعر بالرغبة في التعبير عن الحزن والدعم بكلمات، ولكن بوست تحذر من استخدام تعبيرات مجاملة مبالغ فيها أو نصائح قد تُفهم بشكل خاطئ. عبارات مثل: “سيكون كل شيء بخير” قد تأتي بنتيجة عكسية لأنها قد تُشعر الشخص أن مشاعره الحالية ليست مبررة. يمكن بدلاً من ذلك التعبير عن تعاطف بسيط مثل: “أنا هنا من أجلك” أو “أشعر بحزنك”؛ فهذه العبارات تُظهر الدعم والاحترام بدون محاولة التقليل من الألم.

أحد الدروس العميقة في كتاب بوست هو السماح للحزن أن يأخذ مداه، دون محاولة تسريع عملية التعافي. تُظهر بوست احترامًا كبيرًا لمساحة الحزن وتعتبره جزءًا أساسيًا من الشفاء. لذلك، يُعد دعم الشخص في أخذ وقته للتعامل مع خسارته خطوة ضرورية، حيث لا يُتوقع من الشخص المفجوع أن يعود إلى حالته الطبيعية بسرعة، بل يحتاج إلى فترة لإعادة ترتيب مشاعره ومشاهد حياته.

يُعد الدعم المستمر مهمًا، حتى لو عبر إشارات بسيطة، مثل رسالة قصيرة. هذه اللفتات الصغيرة تُشعر الشخص المفجوع أنه لم يُنسَ، وأن الآخرين ما زالوا يذكرونه ويشاركونه في حزنه ولو عن بُعد.

في نهاية المقال، قد أتساءل كيف يمكن لهذه النصائح، التي تبدو بسيطة، أن تُحدث فرقًا في تجربة الحزن. إلا أن تأملات ديديان، ونصائح بوست، تثبت أن هذه الإيماءات الصغيرة – من الإصغاء الهادئ إلى الدعم المستمر – هي بمثابة جسر بين الأحياء ومشاعرهم الغامرة.

شارك هذا الـمقال