الثامنة صباحًا
٤٩٦ كلمة
٠ تعليق

عن تنظيم اليوم دون عُقد، ودون وهم المثالية التي لا تدوم

كلما قرأت عن الروتين المثالي، شعرت بالتعب قبل أن أبدأ. استيقاظ في الخامسة صباحًا، كتابة صفحات يومية، ساعة رياضة، إفطار متوازن، جدول دقيق حتى آخر دقيقة… وكلما حاولت تقليد هذا النموذج، بدأت متحمسًا، وانتهيت إمّا بالإنهاك، أو بالذنب. ذنب أنني لم أُكمل الأسبوع، ذنب أنني كسرت الجدول، ذنب أنني “فشلت” في شيء كان من المفترض أن يسهّل حياتي، لا أن يُضيف إليها طبقة أخرى من الضغط. ثم، مع الوقت، بدأت أُلاحظ شيئًا أبسط: أنني لا أحتاج إلى روتين مثالي،

بل إلى حدّ أدنى يجعل يومي قابلًا للعيش،

ومساحة من التسامح تجعلني أستمر… دون أن أتآكل.

في علم النفس السلوكي، يشير مفهوم Minimum Viable Routine” إلى فكرة بناء “روتين صالح للاستمرار” — ليس بالضرورة الأعلى كفاءة، بل الأكثر واقعية وثباتًا على المدى الطويل. الروتين الجيد لا يُقاس بعدد المهام التي تنجزها، بل بقدرتك على العودة إليه في كل مرة تخرج منها دون أن تشعر بالعار

ما الذي اكتشفته في رحلتي الشخصية؟

أن ثلاثة أشياء فقط، حين أتمكّن من الحفاظ عليها، تضبط يومي حتى لو ضاع كل ما حولها:

1. نقطة بداية ثابتة نسبيًا

ليست الخامسة صباحًا، ولا حتى السابعة. لكن ساعة استيقاظ ليست مرتبطة فقط بمزاجي، بل بإحساس أنني بدأت يومي أنا، لا أن اليوم بدأني.

2. لحظة واحدة بدون شاشات قبل العاشرة صباحًا

خمس دقائق فقط، أُحضّر فيها قهوتي دون أن أفتح إشعاراتي. هذه اللحظة الصغيرة تصنع فرقًا عظيمًا في كمية التشويش داخل رأسي.

3. إنجاز واحد واضح، أستطيع أن أُسميه

حتى لو تأخر كل شيء، لو كتبت سطرًا صادقًا، أو رتبت المكتب، أو أنهيت بريدًا واحدًا كان يُثقلني… أشعر أنني “عدّيت اليوم”.

هذه القواعد الثلاثة ليست مقدّسة، لكنها قابلة للعودة. لا تعتمد على طاقتي القصوى، بل تُناسبي حتى في الأيام الباهتة. وحين أُضيف إليها شيئًا — رياضة خفيفة، قراءة، مكالمة — أشعر أنه مكسب، لا عبء. المشكلة ليست في أننا لا نعرف ما الذي يجب أن نفعله، بل في أننا نحاول أن نبدأ من نموذج مُفرط الكمال، فننهار بعد أول خلل.

ولهذا فإن كثيرًا من خبراء السلوك مثل BJ Fogg (صاحب نموذج “العادات الصغيرة”) يؤكدون أن النجاح في بناء روتين لا يبدأ من الأعلى، بل من الأدنى الممكن، الذي لا ينهار عند أول مفاجأة.

لكن ماذا عن الأيام التي تخرج تمامًا عن السيطرة؟

حين لا نستيقظ مبكرًا، ولا ننجز شيئًا، ولا نرغب حتى في المحاولة؟ في هذه الأيام، أستدعي “خريطة العودة

ثلاثة أفعال صغيرة أكررها دون تفكير:

أغسل وجهي بماء بارد، أفتح نافذة الغرفة، وأُعدّ كوبًا من الشاي. لا شيء منها ينتمي إلى “الإنتاجية”، لكنها تُشعرني أنني أستطيع البدء من جديد، ولو بعد منتصف النهار.

الروتين، كما أفهمه الآن، ليس قيدًا، بل إيقاع. لا يطلب منك أن تكون أفضل نسخة منك كل يوم، بل يمنحك مسارًا تعود إليه حين تتوه. مسارًا فيه مساحة للكسل، والتأخير، والارتباك، لكنه ما زال يحملك بهدوء، لا يُؤنبك، ولا يتركك في العشوائية الكاملة.

لا أريد روتينًا يُبهِر الآخرين، بل روتينًا يحميني من نفسي حين أكون في أسوأ حالاتي. روتين لا يفرض عليّ النهوض كل يوم بطاقة عالية، بل ينتظرني… مهما تأخرت، ويقول لي دون تهديد:

أنت متأخرلكنك مازلت في الطريق.”

شارك هذا الـمقال