الثامنة صباحًا
٤٦٥ كلمة
٠ تعليق

ما يفعله أول ٤٥ دقيقة في تشكيل اليوم كله

السؤال ليس بسيطًا كما يبدو. لأن ما تفعله في أول دقائق يومك ليس مجرد عادة صباحية، بل وضع داخلي يُحدّد شكل اليوم كله. في علم الأعصاب السلوكي، تُظهر الدراسات أن الساعة الأولى بعد الاستيقاظ تُعَدّ من “النافذة الذهبية” التي يتشكّل فيها المزاج، والانتباه، والطاقة اللاحقة. والسؤال الأهم ليس: “ماذا أفعل؟” بل: “ما الذي أُريد أن أشعر به، لأبني عليه يومي؟”

الذين يبدؤون يومهم بهاتف محمول، يغرقون منذ اللحظة الأولى في أصوات الآخرين. رسائل. إشعارات. أخبار. مقارنات لا شعورية. الدماغ، في لحظة يقظته الأولى، لا يُفرّق بين ما هو طارئ وما هو سمِّيّ. ويبدأ في الدخول في وضعية “رد الفعل” بدلاً من “المبادرة”. في المقابل، من يبني صباحه ببعض الهدوء، ولو عشر دقائق، يمنح جهازه العصبي فرصة لإعادة الضبط. المشي الخفيف. التنفس البطيء. شرب الماء. كتابة سطرين. قراءة فقرة. هذه ليست طقوس رفاهية، بل هندسة للمزاج والانتباه.

من وجهة نظر علم النفس المعرفي، ما تفعله أولًا في يومك ينقل “حالة ذهنية” إلى باقي اليوم. إذا بدأت في وضع الإنجاز (بمهمة بسيطة)، تزيد احتمالية إنجازك لاحقًا. إذا بدأت في وضع التشتّت، ينخفض مستوى الإنتاجية — بغض النظر عن نيتك. ولهذا، يُوصي الباحثون بممارسة صغيرة ذات أثر كبير: افعل شيئًا قصيرًا، بسيطًا، تقدر عليه… لكنك اخترته أنت. كأن تمشي ١٠ دقائق، أو تكتب سطرًا في مفكرتك، أو تُحضّر قهوتك بهدوء ووعي.

لكن ليست كل الطقوس تصلح لكل الناس. لذلك، يمكن أن نسأل: ماذا أحب أن أشعر به أول اليوم؟ هدوء؟ حركة؟ دفء؟ وضوح؟ اجعل طقسك الصباحي امتدادًا لما تريده، لا تقليدًا لما يفعله غيرك.

في “علم النفس الإيجابي”، هناك تمرين يُسمى setting intention — أي “تحديد النية”، وهو ببساطة أن تجلس دقيقة واحدة، وتسأل نفسك: ما الذي أحتاجه اليوم؟ أمان؟ وضوح؟ شجاعة؟ ثم تضعه ككلمة في بالك، وتُعيد التذكير بها خلال اليوم. هذه التقنية تُنشّط مناطق الوعي الواعي في الدماغ، وتمنحك إحساسًا بالاتجاه، ولو كان اليوم غير واضح تمامًا.

إذا كنت تفضّل البدء بالحركة: المشي هو أسهل الطرق، وأفضلها في تحفيز إفراز السيروتونين والدوبامين. ليس من الضروري أن تركض. ١٥ دقيقة من المشي السريع كافية لإخراج الجسم من حالة الكسل الليلي.

إذا كنت تفضّل الكتابة: دوّن جملة واحدة: ماذا أفكر الآن؟ لا هدف من الجمال أو الإبداع. فقط تصفية ذهنية.

إذا كنت تفضّل الصمت: اجلس ٥ دقائق دون صوت. تنفس ببطء، وراقب نفسك دون حكم. الصباح هو الوقت الذي يقول فيه جسدك: “أنا مستعد” — فقط إن لم تملأه بسرعة.

هناك قاعدة بسيطة من علم السلوك تُسمى the first domino: أي أن أول فعل في يومك يُسقط دومينو أفعال مشابهة. فلو بدأت بالتسويف، فغالبًا ما سيتبعه كسل. ولو بدأت بفعل صغير إيجابي، فغالبًا ما سيتتابع معه شعور بالإنجاز.

السؤال الحقيقي إذًا ليس: ما الذي تحب فعله صباحًا؟ بل: ما الشيء البسيط، الممكن، الصادق، الذي تستطيع أن تبني عليه بقية يومك؟ ابدأ به. ولو لخمس دقائق فقط. وسترى أن ما تفعله قبل الإفطار… هو ما يُفطر عليه مزاجك طوال اليوم.

شارك هذا الـمقال