في الأصل، SNR هي معادلة في علم الإشارات. Signal-to-Noise Ratio. نسبة الإشارة إلى الضوضاء. كمية “المعلومة الحقيقية” في إشارة ما، مقارنة بما فيها من تشويش. في أجهزة الاتصال، ترتفع الجودة حين تكون الإشارة أوضح من الضوضاء. وفي الحياة، أيضًا، ترتفع جودة وعينا كلما كانت رسائلنا إلى أنفسنا أوضح من كل ما يحيط بها. المعادلة تبدو تقنية، لكنها تُفسّر شيئًا نعيشه كل يوم: لماذا نشعر بالإنهاك ونحن لم نفعل شيئًا حقيقيًا؟ لماذا نتقلّب بين المهام والمحتوى والأشخاص، ونخرج بأقل مما دخلنا به؟ لماذا نعرف الكثير، لكن لا ننجز إلا القليل؟ لأن الضوضاء — في عصرنا — لم تعد خارجية فقط، بل داخلية أيضًا. ولأن نسبة الإشارة إلى الضوضاء في حياتنا اليومية تنخفض باطّراد.
تخيّل يومًا تبدأه بهاتفك. إشعارات، رسائل، عناوين، فيديوهات قصيرة، توصيات من الخوارزميات، حالات من الأصدقاء، لقطات من حياة لا تعيشها. كل هذا قبل أن تفكّر في ما كنت تريده أصلًا من هذا اليوم. قبل أن تسمع إشارتك الداخلية: “ما الذي أحتاج إليه اليوم؟ ما الذي أريد أن أفعله؟” في هذه اللحظة، تكون النسبة: ضوضاء ٩٠٪، إشارة ١٠٪. والمعادلة، كما في الفيزياء، بسيطة: كلما زادت الضوضاء، قلّ احتمال التقاط الإشارة. وكلما قلّت الإشارة، ضعفت القدرة على التوجيه، واتّسع التشتت.
الإشارة هي الشيء الذي يخصّك
فكرتك. هدفك. سؤالك الحقيقي. الشيء الذي تريد أن تبنيه أو تفهمه أو تجرّبه. أما الضوضاء فهي كل ما يُشتّتك عن ذلك، مهما بدا قريبًا أو مثيرًا أو مفيدًا ظاهريًا. العقل لا يُفرق دائمًا بين المهم والعاجل، ولا بين الملائم والمُلح. هو يتجاوب مع ما هو أعلى صوتًا، إلا إذا قمت أنت — بوعي كامل — بتعزيز الإشارة، وتخفيض الضجيج.
ما الذي يخفض نسبة الإشارة إلى الضوضاء في حياتنا؟
في دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا، تبين أن تعدّد المهام الرقمية (الانتقال المستمر بين تطبيقات ومصادر مختلفة) يقلّل من كفاءة التركيز بنسبة قد تصل إلى ٤٠٪، ويستغرق الدماغ حوالي ٢٣ دقيقة ليستعيد تركيزه بعد مقاطعة بسيطة. هذا يعني أن كل مرة ننتقل فيها من فكرة لفيديو، من مكالمة لإشعار، من مشروع لرسالة… نُضعف قوة الإشارة الأصلية، ونترك مساحة للضوضاء أن تتحوّل من خلفية، إلى قيادة.
لكن المعادلة لا تُستخدم فقط في قياس الاستهلاك، بل الإنتاج أيضًا. ما تكتبه، ما تصمّمه، ما تنشره، ما تقوله في جلسة أو مقابلة أو سطر… هل فيه “إشارة” حقيقية؟ أم أنه يُكرر ما قيل، أو يضيف على الضوضاء ضوضاء أخرى؟ من يقدّم محتوى قويًا اليوم، ليس فقط من يملك ما يقول، بل من يستطيع تخفيف التشويش، والتركيز على ما يستحق أن يُقال.
لهذا فإن قاعدة SNR تصلح لتكون أداة تحرير شخصية أيضًا: كل مرة تكتب شيئًا، اسأل: – هل هذه فكرة واضحة؟ – هل تُضيف شيئًا؟ – هل يمكن قولها بطريقة أبسط؟ – ما الذي يمكن حذفه دون أن يضيع المعنى؟
في العلاقات، أيضًا، يظهر الفرق بين الإشارة والضوضاء. الصديق الذي يُنصت، الجملة التي تُقال بنية صافية، العلاقة التي تمنحك وضوحًا بدل اختبار يومي — هذه كلها إشارات. أما الرسائل الغامضة، والألعاب العاطفية، والإجهاد المستمر باسم الحب أو القرب، فهي ضوضاء. العلاقة الجيدة ليست الخالية من الصمت، بل تلك التي تسمح للإشارة أن تمرّ، حتى في غياب الكلمات.
أنا شخصيًا بدأت أستخدم هذه المعادلة في تنظيم يومي. أن أبدأ الصباح بما يُشبهني، لا بما يُقترح عليّ. أن أُخفف من المحتوى المتكرر، أن أكتفي بمتابعة مصادر محدودة، أن أراجع كل مساء: ما الإشارة التي التقطتُها اليوم؟ وما الذي يمكن أن أعتبره ضوضاء؟ لا دائمًا أنجح، لكن النسبة بدأت تتحسن.
أكثر إشارة… أقل ضجيج، حتى نسمع ما يخصّنا… قبل أن يُغمر إلى الأبد.